السبت، 6 يونيو 2009

مواجهات

ما لن يقوله أوباما وما لن يفعله


كان من المنتظر أن يوجه الرئيس الأمريكى، باراك أوباما، خطابه التاريخى هذا إلى العالم الإسلامى، كما وعد هو، فى غضون الأيام المائة الأولى من توليه الرئاسة، ولم يكن أحد يعلم، بمن فيهم هو نفسه، من أى عاصمة مسلمة سيتكلم.

قصته من أكثر قصص رؤساء أمريكا فى العصر الحديث رومانسية، وملامحه فيها كثير من «القبول»، وبطاقته الانتخابية من أقوى البطاقات، ومبادئه التى يتحدث عنها علناً تدعو إلى الاستبشار. غير أنه فى الوقت نفسه أقل رؤساء أمريكا فى العصر الحديث حظاً؛ فقد أتى على ظهر ثمانى سنوات عجاف يحاول الهبوط منها دون أن تنكسر رقبته، فى خضم أزمة مالية ضروس لم نر أقبح ملامحها بعد، فى ظل مواجهة مباشرة مع إيران وفوضى فى باكستان وأفغانستان وجمود مقلق فى الشرق الأوسط، بينما لم تستقر الأمور فى العراق. هل يوجد مزيد من الضغوط عليه؟ نعم، كل هذه الآمال الكبرى التى يعقدها بناصيته شعبه وشعوب العالم كله تقريباً.

مثلما صار يكتشف يوماً بعد يوم منذ الحادى والعشرين من يناير الماضى، حتى هو لا يستطيع أن يحيى العظام وهى رميم إلا بإذن الله. ولأن الله لم يبعثه نبياً فقد بدت فكرة جيدة أن يبدأ تدريجياً فى الهبوط من سلم الرومانسية إلى أرض الواقعية (لم يصل إليها تماماً بعد). ومن ثم تأجل موعد الخطاب، ورغم أن القاهرة لم تكن على قمة العواصم المقترحة لإلقاء الخطاب تراكم زخم سياسى دفع فى النهاية فى اتجاه أم الدنيا.

من هذا المنطلق، جاء اختيار القاهرة اختياراً مقصوداً لأنها، على الأقل فى رأى المتحدث الرسمى باسم البيت الأبيض، » قلب العالم العربى«. على القاهرة إذن أن تستذكر تلك الخلفية وهى تدقق فى كل كلمة يقولها، والأهم من ذلك فى كل كلمة لن يقولها. كما أن على القاهرة أن تدرك أنها بصدد استقبال رئيس أصابت وجهه بعض الخدوش، لكنه لا يزال يكتسب ضماداته من إيمانه بما يقول وانتقائه لما لا يقول.

ولأن معظم الناس، فى الشرق وفى الغرب، مشغول بالتفكير فيما يمكن أن يقول الرئيس، دعونا نفكر نحن فى ثلاثة أشياء لن يقولها، وثلاثة أشياء أخرى لن يفعلها.

فأما ما لن يفعله أوباما فهو أولاً أنه لن يزور إسرائيل، لا قبل القاهرة ولا بعدها، وهذه سابقة تاريخية لها مغزاها؛ إذ إن أسلافه جميعاً كانوا يحجّون أساسا إلى الدولة العبرية وربما يتركون حقائبهم فى فندق الملك داوود فى القدس كى يختطفوا زيارة بروتوكولية إلى بعض عواصم الجوار. وثانياً، أنه لن يصافح أيمن نور ولن يسمح لوزيرة خارجيته بأن تجتمع به؛ إذ إنه بافتراض أن لأيمن نور مصداقية فى مجال »الديمقراطية والحريات المدنية« فإن للإدارة الأمريكية الجديدة أسلوباً مختلفاً فى الاقتراب من القضايا الحساسة، وهو أسلوب بدأ يؤتى ثماراً مبكرة مع الحكومة المصرية.

وثالثاً، أنه لن يخاطر بالإسراع فى المواجهة الحتمية المرتقبة مع رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتانياهو؛ إذ إن كلاً منهما لا يزال فى مرحلة جس النبض: نتانياهو فى انتظار أن يتآكل جانب من شعبية أوباما فى أمريكا، وأوباما فى انتظار أن يتآكل جانب من «انعدام» شعبية نتانياهو فى الشرق الأوسط. ولا يلوح فى الأفق القريب أى من هذين الاحتمالين، خاصةً بعد أن انفثأ أول بالون اختبار بإعلان الحكومة الإسرائيلية استمرارها فى بناء المستوطنات (وهى أبرز عقبة مبدئية فى طريق إحياء آمال التوصل إلى تسوية نهائية) رغم موقف واضح ضدها من الرئيس الأمريكى أكدته وزيرة خارجيته بعبارات أوضح أثناء استقبالها وزير الخارجية المصرى.

وأما ما لن يقوله أوباما فى القاهرة، فهو أولاً تفاصيل مبادرة جديدة ترمى إلى تسوية نهائية بين العرب وإسرائيل مبنية على أساس المبادرة العربية لعام 2000 وقوامها انسحاب إسرائيل إلى حدود 4 يونيو 1967 فى مقابل سلام مفتوح مع كل الدول العربية. من الصعب رغم ذلك تخيل أن يتحدث أوباما إلى العالمين الإسلامى والعربى من القاهرة دون أن يتطرق إلى أم القضايا فى سياق عام يبعث التفاؤل بين الأطراف المعنية. وثانياً، لن يقول أوباما إنه يسعى إلى توطيد محور يرتكز على مصر والسعودية وإسرائيل فى مواجهة الطموحات الإيرانية كجزء من سياسة الاحتواء التى بدأ يعتمدها مع طهران، وأنه فى مقابل ذلك ربما يضطر إلى تليين الموقف الأمريكى بخصوص قضايا الإصلاح والديمقراطية وحقوق الإنسان فى مصر والسعودية وقضايا كثيرة مع إسرائيل (المرعوبة) ربما يكون لها ثمن أكبر.

وثالثاً، لن يقدم الرئيس الأمريكى الجديد كلمة اعتذار واضحة صريحة باسم الشعب الأمريكى عما تعرض له المعتقلون فى جوانتانامو وفى العراق وفى أفغانستان وفى سجون عربية من تعذيب وقذارة. فرغم إيمانه الشخصى الذى أعلنه أكثر من مرة، ورغم أن أول توقيع رسمى له كان على وثيقة ترمى إلى إغلاق معتقل جوانتانامو فى غضون عام، فإنه يصل إلى القاهرة جريحاً بعد مناظرة متعاقبة مع صقر الإدارة السابقة، ديك تشينى، حول الأمن القومى، ورفض الكونجرس اعتماد الميزانية المقترحة لإغلاق المعتقل قبل الاتفاق على ما سيحدث للمعتقلين، خاصة أن جانباً ممن صوتوا ضده ينتمون إلى حزبه هو نفسه، الحزب الديمقراطى.

وفى تقديرنا أن من بين هذه الأشياء الستة التى نعتقد أن أوباما لن يفعلها ولن يقولها، يدعو هذا الأخير إلى التحسر أكثر من غيره؛ فرغم أن تقديم اعتذار إلى الشعوب المسلمة باسم شعب لم يتجاوز صدمة الحادى عشر من سبتمبر بعد، ليس دائماً مسألة سهلة ولا هو دائماً مجرد مسألة بروتوكولية، فإن هذا الاعتذار أسهل الأمور الستة نسبياً، خاصة أنه كان سيأتى فى إطار خطاب مصمم أساساً منذ لحظة الإعلان عنه لفتح صفحة جديدة مع العالم الإسلامى.

وما يزيد من أهمية تقديم اعتذار صادق واضح ويجعله مُلِحّاً فى هذه اللحظات هو الكشف قبل أيام عن مضمون جانب من صور سجن أبو غريب البشعة القذرة التى كان الرئيس أوباما نفسه يريد نشرها قبل أن يخضع لاعتراضات العسكر.
نرجو أن تخيب توقعاتنا، عدا واحد أو اثنين ربما!x

لمعلوماتك...
1974 أول زيارة رسمية لرئيس أمريكى إلى مصر قام بها نيكسون
1961 ولد باراك أوباما لأب كينى وأم أمريكية

ليست هناك تعليقات: